أَخَافُ مِنَ العَدْوَى
عُمَرُ طِفْلٌ اجْتِمَاعِيٌّ، يَبْلُغُ مِنَ الْعُمُرِ تِسْعَةَ أَعْوَامٍ، وَكَانَ لَدَيْهِ جَارٌ فِي مِثْلِ عُمُرِهِ اسْمُهُ يُوسُفُ يَلْعَبُ مَعَهُ دَائِمًا، وَلَكِنْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا شَخْصِيَّتُهُ الْمُخْتَلِفَةُ.
عُمَرُ طِفْلٌ يَهْتَمُّ بِنَظَافَتِهِ الشَّخْصِيَّةِ بِصُورَةٍ مُبَالَغٍ فِيهَا؛ فَهُوَ يَغْسِلُ يَدَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ مَرَّاتٍ كُلَّ خَمْسِ دَقَائِقَ، وَيَحْمِلُ مَعَهُ مَنَادِيلَ مُطَهِّرَةً؛ لِيَمْسَحَ بِها كُلَّ شَيْءٍ يَمُرُّ عَلَيْهِ، لَيْسَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ عِدَّةَ مَرَّاتٍ.. لَا يَأْكُلُ لَدَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثِقُ بِالنَّظَاَفَةِ خِلَالَ إِعْدَادِ الطَّعَامِ، وَحَتَّى لَا تَنْتَقِلَ إِلَيْهِ الْجَرَاثِيمُ.
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِيُوسُفَ فَهُوَ يَخْتَلِفُ عَنْ عُمَرَ، لِأَنَّهُ لَا يَهْتَمُّ بِنَظَافَتِهِ الشَّخْصِيَّةِ أَبَدًا؛ فَهُوَ لَا يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَّا نَادِرًا، وَيَأْكُلُ مِنَ الْبَاعَةِ الْجَائِلِينَ بِاسْتِمْرَارٍ.
وَفِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ صَرَخَ يُوسُفُ مُتَأَلِّمًا مِنْ بَطْنِهِ: آهٍ، بَطْنِي.. آهٍ، بَطْنِي!
أَخَذَهُ وَالِدُهُ مُسْرِعًا إِلَى الْمُسْتَشْفَى، وَبَعْدَ أنْ كَشَفَ عَلَيْهِ الطَّبِيبُ قَامَ بِحَجْزِهِ؛ بِسَبَبِ إِصَابَتِهِ بِنَزْلَةٍ مَعَوِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ تَنَاوَلَ طَعَامًا مُلَوَّثًا.. وَبَعْدَ ذَلِكَ؛ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْتَاحَ فِي الْبَيْتِ لِمُدَّةِ أُسْبُوعٍ، مَعَ تَنَاوُلِ طَعَامٍ صِحِّيٍّ، وَالاِهْتِمَامِ بِالنَّظَافَةِ بِاسْتِمْرَارٍ.
جَلَسَ عُمَرُ فِي بَيْتِهِ حَزِينًا، فَسَألَتْهُ أُمُّهُ: «لِمَاذَا أَنْتَ حَزِينٌ يَا عُمَرُ؟».
فَرَدَّ: «أَنَا أَفْتَقِدُ يُوسُفَ جِدًّا».
فَسَأَلَتْهُ أُمُّهُ: «لِمَاذَا لَا تَزُورُهُ؟».
فَقَالَ: «أَخَافُ أَنْ أُصَابَ بِالعَدْوَى مِنْ مَرَضِهِ».
نَظَرَتِ الأُمُّ إِلَى عُمَرَ وَاحْتَضَنَتْهُ، وَقَالَتْ لَهُ: «يُوسُفُ يُعَانِي نَزْلَةً مَعَوِيَّةً؛ بِسَبَبِ تَنَاوُلِهِ طَعَامًا مُلَوَّثًا، وَهَذا الْمَرَضُ لَا يَنْتَقِلُ إِلَى أَحَدٍ بِالْمُخَالَطَةِ، فَلَا ضَرَرَ مِنْ زِيارَتِكَ لِصَدِيقِكَ يُوسُفَ.. اهْتِمَامُكَ بِصِحَّتِكَ، وَسَلامَتِكَ، وَنَظَافَتِكَ شَيْءٌ حَمِيدٌ، وَلَكِنْ إِذَا بَالَغْنَا فِي حَيْطَتِنَا فَلَنْ نَسْتَطِيعَ التَّوَاصُلَ مَعَ النَّاسِ؛ فَاحْرِصْ عَلَى سَلامَتِكَ بِاعْتِدَالٍ، وَاغْسِلْ يَدَيْكَ بَعْدَ اللَّعِبِ وَقَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ، وَاحْرِصْ عَلَى نَظَافَتِكَ الشَّخْصِيَّةِ، وَابْتَعِدْ عَنْ مَصَادِرِ الْعَدْوَى، وَتَنَاوَلِ الطَّعَامَ الصِّحِّيَّ الْمُتَوَازِنَ».
فَكَّرَ عُمَرُ فِي كَلَامِ وَالِدَتِهِ، وَقَرَّرَ الذَّهَابَ إِلَى يُوسُفَ لِلِاطْمِئْنَانِ عَلَيْهِ.
وَبَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ، فَهِمَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَيْفِيَّةَ الْحِفَاظِ عَلَى صِحَّتِهِ بِاعْتِدَالٍ؛ فَيُوسُفُ صَارَ يَهْتَمُّ بِصِحَّتِهِ وَنَظَافَتِهِ، وَعُمَرُ أَيْضًا لَمْ يَعُدْ يُبَالِغُ فِي نَظَافَتِهِ وَحِرْصِهِ الشَّدِيدِ عَلَى سَلَامَتِهِ.
التعليقات والمناقشة